ل

أشعر اليوم أنني في قلب (بتخنيّه) وفي قلب (مجدليا)، وفي قلب لبنان.. إذ أن هذه العواطف الجيّاشة جعلتني عاجزاً عن مجاراتكم في اللغة والبلاغة والمبنى.
يطيب لي، وأنا محاط بهذه الباقة الفوّاحة من الأصدقاء، أن أسترجع ذكريات مرّ عليها إثنا عشر عاماً. ففي السنة الأولى لوصولنا إلى أستراليا، تكرّم الأستاذ شربل بعيني وأقام لي حفلة استقبال في دارته العامرة، وأوّل ما لفت نظري لوحة معلّقة في البهو الرئيسي من المنزل، تتضمّن شعائر الأديان السماويّة كلّها، فأكبرت فيه ذلك، وقلت في نفسي إنني أمام ظاهرة فريدة تجسّد لبنان، تجسّد الإنسانيّة في لبنان.
أخي وصديقي شربل.. لقد أكرمتني مرّتين: المرّة الأولى عندما منحتني صداقتك، والمرّة الثانية عندما نبذت الطائفيّة قولاً وفعلاً، وكأني بك توجّه رسالة تقول بها: هكذا تبنى الأوطان.
السفير لطيف أبو الحسن
ليلة وداعه عام 1997
**
كلّما دخلت منزل شربل بعيني تطالعك ظاهرتان تمتلكان فيك القلب والعقل. الظاهرة الأولى، هي تلك الإبتسامة المشعّة على شفاه أهل الدار، المشفوعة بكلمة (يا أهلا وسهلا) الصادرة من القلب. وما هذه الإبتسامة إلاّ مرآة تعكس ذلك الكنز الثـمين من المحبّة والصداقة، الذي يجمعه شربل بعيني وذووه بين حناياهم. تشعر بأنك واحد من أهل البيت، والدة عطوفة أعطت العالـم ما في المحبّة من رونق عندما ولدت شربل بعيني.
والظاهرة الثانية، التي تمتلك حواسك وعقلك، هي ذلك الشعار ـ الرمز المعلّق في أبرز مكان على جدار قاعة الإستقبال، ليراه القاصي والداني، ولو نطق لسمعته يقول: الخلق كلّهم عيال اللـه. إنه رمز وحدة الأديان والطوائف اللبنانية، جمعها شربل في بيته وقلبه وعقله، وجسّدها في مناجاة علي، ونطق بها في مزموره السابع:
دينك ديني.. دين الحبّ
الحبّ اللي بيجمع أكوان
وعلى مبدأ المحبّة، توحّدت الأديان في عالـم شربل بعيني.
في مناجاة علي تلتقي المحبّة والإيمان على مبدأ سمو الأديان، ونبذ التفرقة والتعصّب، فاللـه، كما قال السيّد المسيح، محبّة: (من أقام في المحبّة أقام في اللـه وأقام اللـه فيه)، والشرعة الوحيدة التي يتحتّم على الإنسان أن يعيش بها ولها، كما قال ميخائيل نعيمة، هي شرعة المحبّة، محبّة كل الناس، وكل الكائنات.
فلا عجب، إذاً، ولا غرو أن ينهل شربل بعيني من ينبوع عليّ، يغرف منه ما شاء، ويرتوي من حكمته وطهارته ليؤسّس معه علاقة فكريّة روحيّة، تنطلق من هذه الشرعة السرمديّة، شرعة محبّة كل الناس والكائنات.
عندما يناجي شربل بعيني عليّاً، تشعر بأنك أمام معزوفة موسيقيّة تشابكت فيها تعاليـم الأديان السماويّة بتناغم عذب، تنقلك من محيط الإيمان إلى محيط المحبّة، ومن عالـم الإنسان الأرضي إلى مجرّة الإنسانيّة، وفوق هذا وذاك ينكشف لك بأن (الخلق كلّهم عيال اللـه، أحبّهم إليه أنفعهم لعياله).
مناجاة علي، بالإضافة إلى كونه عملاً أدبياً رائعاً، هو وجه مشرق في حياة شربل بعيني، استحوذ على المزيد من إعجابنا وتقديرنا، إذ أنه تطرّق إلى موضوع يلامس حياتنا الواقعيّة، ويعكس أبهى ما في العلاقات الإجتماعيّة بين مختلف المذاهب من مزايا إنسانيّة وروحيّة، وهو بعمله هذا يعيد إلى ذاكرتنا روائع بولس سلامة وجورج جرداق وغيرهم من الذين عرفوا قدر الإمام علي بن أبي طالب.. وقَدَرَه.
قيمة هذا العمل هي في ذاته، ونزداد انبهاراً به كونه أنتج في المهجر، ليكون نبراساً للأدب المنتشر، وقدوة في التلاحم الديني. إنه رسالة المهجر إلى الوطن، أو بالأحرى، دعوة إلى نبذ العصبيّة الطائفيّة والتعصّب الأعمى، اللذين كادا أن يفتّتا الوطن. إنه رسالة إلى أولئك الذين يأخذون من التعصّب ستاراً، لا بل حصناً يبثّون من ورائه سموم التفرقة، تارة باسم الدين، وطوراً باسم الوطن، والدين والوطن منهم براء.
إبن لبنان البار هو من حمل راية التلاحم والتلاقي والمحبّة والإنصهار. بهذه الأقانيم تبنى الأوطان. فهنيئاً لشربل بعيني بهذا التكريم، وهنيئاً للبنان الواحد الموحّد، وللجالية اللبنانية الواحدة الموحدة، بشربل بعيني".
السفير لطيف أبو الحسن
تكريم شربل بعيني على ديوانه "مناجاة علي" 1992
**
من هو هذا الرجل الذي يقال عنه إنه سيّد الكلمات والأدب؟..
من هو هذا الرجل الذي يسمونه شربل بعيني؟..
هل هو ساحر يستعمل الكلمات بدل القبعة والعصاة.؟..
بعض الذين شاهدوه يأخذ بألباب مستمعيه افتكروا أنه ساحر. ولكن لا، شربل ليس ساحراً، إنه رجل.. محبّته لشعبه اللبناني لا توصف.
الشاعر الاسترالي ليز زاميت
 صوت المغترب ـ 1985
**